عميد كلية الآداب واللغات لخضر هني بجامعة المسيلة المجاهد : " نراهن على الاستدامة.. العربية تُدار اليوم كمشروع معرفي لا كفعالية ظرفية"
في شهر اللغة العربية، فتحت كلية الآداب واللغات بجامعة محمد بوضياف – المسيلة أبوابها لأسرة جريدة المجاهد، في فعاليات أكاديمية وثقافية تسعى إلى تثبيت العربية في قلب الحراك الجامعي، لا كذكرى ظرفية بل كمشروع معرفي مستمر. في هذا الحوار، تضع العمادة رؤيتها للجامعة بين الأصالة والتحديث، وللكيفية التي تتحول بها المبادرات الاحتفالية إلى سياسة تعليمية وبحثية دائمة.
ما الذي يميّز برنامج احتفاء جامعة المسيلة هذا العام؟
تقوم خصوصية برنامج هذا العام على نقل الاحتفاء من الطابع الرمزي إلى الفعل العلمي المرتبط بقضايا العصر. لم تقتصر الفعاليات على الجانب الأدبي التقليدي، بل اتجهت نحو الرقمنة والتحديث من خلال ندوات ناقشت علاقة اللغة بالتكنولوجيا وسبل تطوير تعليم العربية في سياق العصر الرقمي. توازى ذلك مع اهتمام واضح بالتفاعل اللغوي والترجمة، عبر جلسات حوارية جمعت العربية باللغات الأخرى وفتحت النقاش حول الهوية ودور الترجمة في تعزيزها، بمشاركة أسماء أدبية بارزة على غرار الروائي والمترجم محمد ساري. كما استحضرت الجامعة البعد الوطني التاريخي من خلال ندوات حول أعلام النهضة الجزائرية وجهودهم في حماية العربية، وربطت ذلك بالواقع المعاصر. اللافت أيضاً أنّ البرنامج امتد على مدار أسابيع كاملة بين نوفمبر وديسمبر، ما يعكس رؤية تنظيمية تتجاوز "يوم الاحتفال" إلى مساحة زمنية تسمح بالتعمّق والحوار. في المحصلة، احتفت المسيلة بالعربية بلغة الحاضر دون الانفصال عن جذورها.
كيف تترجم الجامعة التزامها بالعربية إلى واقع داخل الأقسام والمناهج؟
العمل يجري فعلياً في مسارين متوازيين: البيداغوجيا والبحث العلمي. على مستوى التدريس، تخضع برامج اللغة العربية لتحديث مستمر يواكب النظريات الحديثة في اللسانيات والنقد، مع توسيع التخصصات التطبيقية المرتبطة بالتعليم واللسانيات والأدب الجزائري. كما تُمنح مواد التحرير والتعبير أهمية خاصة لضمان تكوين طلاب قادرين على الكتابة السليمة. أما في أقسام اللغات الأجنبية، فتُوظَّف الترجمة عملاً لا عنواناً فقط، ويُدفع الطلبة إلى نقل المعرفة إلى العربية ببناء لغوي سليم، مع اعتماد المصطلح العربي في الملخصات والعروض. وفي قسم الترجمة يجري التركيز على الترجمة التخصصية في المجالات القانونية والاقتصادية والإعلامية لإعداد خريجين قادرين على الاندماج في سوق العمل.
أما في البحث العلمي، فتوجَّه رسائل الماستر والدكتوراه نحو قضايا اللغة العربية المعاصرة، ونحو دراسة التعريب والمصطلح وتفاعل العربية مع اللغات الأجنبية. تُقام ملتقيات وندوات علمية بشكل منتظم، ويُشجَّع النشر بالعربية داخل المجلات المحكمة مع إلزام الباحثين بتقديم مستخلصات بالعربية حتى في الدراسات المنجزة بلغات أخرى. تضاف إلى ذلك شراكات مع مؤسسات ثقافية وتراثية ومبادرة لتأسيس مؤسسة ناشئة تُعنى بتطوير أدوات لغوية رقمية تخدم العربية في الفضاء التكنولوجي.
كيف تضمن الجامعة استدامة هذا الاهتمام بعد انتهاء الاحتفالات؟
الرهان الأساسي هو تحويل العربية إلى خيار استراتيجي داخل الكلية، لا فعالية سنوية. ولهذا تُعمل الجامعة على تعزيز حضور العربية في المقررات عبر وحدات خاصة بالكتابة الأكاديمية والتدقيق اللغوي، مع تنظيم دورات تكوينية للأساتذة لتوحيد المصطلح العلمي ومواكبة التوجهات اللسانية الحديثة. بالتوازي، يجري العمل على دعم وحدات ومخابر بحث مختصة في العربية واللسانيات الحاسوبية والمصطلحات وصناعة المعاجم، مع تشجيع فرق بحث مشتركة بين العربية واللغات الأجنبية. وتستعد الكلية لإطلاق بنك مصطلحات مؤسسي يتيح للباحثين قاعدة موحدة للمفاهيم العلمية.
ولضمان استمرارية الحراك لا مناسبيته، يتم تثبيت ملتقيات علمية قارة حول تعليمية العربية والتعريب، إضافة إلى تخصيص أعداد دورية من المجلات العلمية لأبحاث تخدم العربية تطبيقياً. كما تُحضَّر جائزة سنوية لأفضل أطروحة أكاديمية في مجالات العربية، تشجيعاً للطلبة على اختيار موضوعات تخدم اللغة وتقدم إضافة بحثية حقيقية. بهذه الخطوات، تنتقل العربية في جامعة المسيلة من منصة الاحتفال إلى فضاء العمل اليومي.